روى
الإمام أحمد (2614), بإسناد حسَن, عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يريد الماء فيتمسح بالتراب، فأقول:
يا رسول الله إن الماء قريب، فيقول:" وما يدريني لعلي لا أبلغه ؟ ".
وروى
البخاري (1430), عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه حدثه قال: صلَّى بنا
النبي صلى الله عليه وسلم العصر, فأسرع ثم دخل البيت, فلم يلبث أن خرج
فقلتُ أو قيل له, فقال:" كنتُ خلَّفت في البيت تبراً من الصدقة, فكرهتُ أن
أبيته فقسمته ".
وروى
الإمام أحمد (26557), بإسناد صحيح. عن أم سلمة قالت: دخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم, وهو ساهم الوجه, قالت فحسبت أن ذلك من وجع فقلت يا
نبيَّ الله: مالك ساهم الوجه؟ قال:" من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس
أمسينا وهى في خصم الفراش ".
قال
الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: " فأمَّا قصر الأمل : فهو العلم بقرب
الرَّحيل وسرعة انقضاء مدة الحياة, وهو من أنفع الأمور للقلب, فإنه يبعثه
على معافصة الأيام وانتهاز الفرَص التي تمرُّ مر السحاب, ومبادرة طي صحائف
الأعمال, ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء, ويحثه على قضاء جهاز سفره
وتدارك الفارط, ويزهِّده في الدنيا ويرغبه في الآخرة, فيقوم بقلبه - إذا
داوم مطالعة قصر الأمل - شاهدٌ من شواهد اليقين يريه فناء الدنيا وسرعة
انقضائها, وقلة ما بقي منها, وأنها قد ترحَّلت مدبرة ولم يبق منها إلا
صُبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها, وأنها لم يبق منها إلا كما بقي من
يوم صارت شمسه على رءوس الجبال, ويريه بقاء الآخرة ودوامها, وأنها قد
ترحَّلت مقبلة وقد جاء أشراطها وعلاماتها, وأنه من لقائها كمسافر خرج صاحبه
يتلقاه, فكلٌّ منهما يسير إلى الآخر فيوشك أن يلتقيا سريعاً.
ويكفي
في قصر الأمل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ *
ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا
يُمَتَّعُونَ}(الشعراء :205-207), وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ
كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ
بَيْنَهُمْ}(يونس: 45), وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}(النازعات:46), وقوله تعالى:
{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ *
قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ}(المؤمنون113- 114), وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ
بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}(الأحقاف: 35)...
وخطب
النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً والشمس على رءوس الجبال فقال:" إنه
لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ".
ومرَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض أصحابه, وهم يعالجون خصَّاً لهم قد وهي
وهم يصلحونه فقال: ما هذا قالوا : خصٌّ لنا قد وهي, فنحن نعالجه فقال:" ما
أرى الأمر إلا أعجل من هذا ".
وقصر
الأمل بناؤه على أمرين: تيقُّن زوال الدنيا ومفارقتها. وتيقُّن لقاء
الآخرة وبقائها ودوامها, ثم يُقايس بين الأمرين ويؤثر أَولاهُما بالإيثار
"اهـ.
وقال
ابن حبان في روضة العقلاء: " فالعاقل يعلم أن ما لم يبقى لغيره عليه غير
باق وأن ما سلب عن غيره لا يترك عليه, فالقصد إلى ما يعود بالنفع في الآخرة
للعاقل من الدنيا أحرى من السلوك في قصد الضنِّ بها والجمع لها من غير
تقديم ما يقدّم عليه في الآخرة من الأعمال الصالحة, وتركك الاغترار بها
والاعتبار بتقلُّبها بأهلها ولا شيءَ أعظم خطراً من الحياة, ولا غبن أعظم
من إفنائها لغير حياة الأبد, ومن اشتهى أن يكون حراً فليجتنب الشهوات وإن
كانت لذيذة, وليعلم أن كلَّ لذيذٍ ليس بنافعٍ, ولكن كل نافع هو الذيذ, وكل
الشهوات مملولةٌ؛ إلا الأرباح فإنها لا تملّ, وأعظم الأرباح الجنة
والاستغناء بالله عن الناس ".